تشابه أسماء

من مدوّناتي على أطلال منتدى السويداء ،، اخترتها لإلقاء التحية :


سمعت عنها ...
وقيّض لي يوما أن أقرأ عنها ...
وتحدّث العوام عن سحرها على أنّها مأثرة عتيقة ...
وأنّها كانت تخصّ أولئك الأبطال الذين اندثروا مع التاريخ ...
والماضي السحيق .....
ولكننا احتفظنا لأنفسنا عنهم بصورٍ من بضع كلمات ...
وكانت هي وقصّتها ... من بين تلك المفردات ....
واليوم ..... سمعت عنها مجددا ...
وأنها ربّما عادت لتقترن بأبطال جدد ...
وكأي فرد مقبل على الحياة ...
رغبت قليلا بالبحث عنها ..
والتعرّف عن قرب إليها ...
ولكني كنت غبيا آنذاك ....
لم يكن من الواجب أن أفضح رغبتي ، أو أعرّف أي أحد وجهتي ..
لقد نسيت أنهم كانوا يحدّثوني عن أسرارها
وكأنهم يتحدثون عن حكايا عاهرة ...
كتمان ... وتحفّظ .... وليس كل ما يعرف يقال ...
همس لم أكن أعلم لم كل ذلك الهمس ....
مع أن اسمها كان معروفا ومرددا ....
ولكن آآآآآآآآآآآآآآآه
كم تعذبت حتى اكتشفت
أن التي يتحدثون عنها همسا ...
ليست هي تلك التي يتشدقون بالتغني بها
على أنها بيننا
إنه مجرّد تشابه أسماء ..
وكبرت الحكاية .....
وبات الجميع يعلم أنني أسعى وراء تعلّم المزيد عنها
وأنّي مهتم لشأنها
وأنّي متيم بها .... وهائم في تقليب مذكّراتها .....
وكبرت الحكاية أكثر
وأنا كنت آخر من يعلم ...
فأنا فقط كنت على هامش الحياة
وفي وقت الفراغ
أحاول وبالصدفة استقصاء المزيد عن أخبارها ...
وكبرت الحكاية أكثر وأكثر ...
وبات الجميع يعاملني على أنني
ربّما من نوع خاص
متهوّر ... مجنون .... أو راكض خلف سراب ..
وكبرت الحكايا وتنوعت في الشارع القضايا
وكنت آخر من يعلم ..
إلا أن جدّتي العجوز حدّثتني ذات يوم ..
في سريّة مطلقة
بعد أن أغلقت الباب خلفنا
وافتتحت حديثها بعبارة :
لأجل أن لا يعلم غيرنا بما سنتفق عليه
لمصلحتك ....
ويبقى الكلام بيننا
لقد ذكّرني ذلك
بحديث لجدّي ( رحمه الله ) معي ..
لأجل أن أترك التدخين ....
وأقلع عن السهر ...
وكنت حديث العهد بالسّهر ..
مع الأصدقاء ...
جدّتي قالت :
مالك ولها
إن لها ناسها
وهذه ليست شأننا
وثوبها غير ثوبنا
ستتعبك كل عمرك وعمرنا
ولكن حديثك جدتي جاء متأخرا ...
لم أفهم مناسبة الحديث إلا أن هناك أمرا كبيرا حدث داخل جدتي ولي علاقة به
وأنّها بخبرتها رأت في ما رأيته طبيعيا .. خطرا من نوع خاص ...
أذكر حين أجبتها .. أن خوفكم الموروث من تسلّط الاستعمار والإقطاع ووو ...
قد زال
اليوم كل شيْ تغيّر ..
وحاولت إقناع جدتي
وتشعّب الحديث مني محاولا الإتيان لها بأدلة تثبت أن كل شيْ تغير
ولكنّها تمسّكت بفكرتين أساسيتين :
الأولى هو أن الأنثى التي نتحدّث عنها ... كالنار ... جميلة ... ودافئة ... وملوّنة ... وجذابة ..
ومؤنسة ..... ولكنها حارقة ..
والثانية : أن جميع من ذكرتهم من الأسياد المتبدّلين ...
دائما دائما ... لهم مصلحة بالحديث عنها بنفس الوهج والجمال ..
ولكنهم أبدا لن يتنازلوا أو يسمحوا لأحد امتلاكها أو مشاركتها ..
هم منذ الأزل يحاولون إبقاءها في صدورنا كالأمل
ومجرّد حديث وقصيدة
ويجب أن لا يتعدّى الأمر ذلك ..
آخر ما قالته جدّتي أنها تخشى عليّ أن أتعرّف إليها عن كثب ..
لأن معاشرتها قد تسبب لي الإدمان ... وتخرّب لي حياتي برمتها ..
وكبرت الحكاية ..
واصطحبني ذات يوم بعض من ذوي جلدتي فقط للسؤال ....
عن علاقتي بها ...
وكيف أعرفها ...
وما الذي أعرفه عنها ..
ولماذا أراها مختلفة ..
وليعطوني مزيدا من الوقت للتفكير ..
وضعوني في ما اعتقدته يشبه الخلوة الباردة العاتمة الدفينة
وطال بي الأمر حتى عرفت أنّها أبعد ما تكون عن الخلوة ...
ودار حديث جديد بين أصوات مختلفة الدلالات
تخترق العتمة مفردات خجولة ولكن وقعها هيهات هيهات ..
الوجه الأبيض للمسألة أن حبي لها أصبح عشقا .....
وسرعان ما تحوّل هياما ...
وتأكدت بشكل قاطع أنها ليست من يتحدثون عنها خارجا
إنه فقط تشابه أسماء
كان أحدهم يحاول اقتاعي بأنها ليست حكرا على أحد
وحاول آخر وصفها بأنها كالخبز ... للجميع
في حين أجابه ثالث بأن الخبز لا يمكن أن تحيا بدونه
إلا على طريقة ماري أنطوانيت ( الكاتو )
أي مزيدا من الدلال ... والرّفاهية ...
بينما هي لا بديل عنها أكثر رفاهية ...
وأنّها لو كانت ضرورة كالخبز لما استغنى عنها الناس أو رضوا باستبدالها أو تشويهها
ورأى رابع صحة الكلام الأخير ولكنه تسائل أين هم الناس ...
آراء متنوعة
حتى الظلام والبرد ووحدة التساؤل والتجاهل والعذاب
لم تدفعنا للاتفاق على رأي ....
كلَّ عرفها على طريقته ...
لم هذا التنوع ...
كلَّ عرفها حسب قصّته
لم هذا التشوّش
كل رفض صورة الآخر عنا
لم هذا التشرذم .....
مع أنّهم اتفقوا أن المكان يشبه الرّحم
في عتمته ... وإعادة تكوينه للذات
ولكني أنا من لم يتفق معهم على هذا
فلايمكن لشيء نابض بالحياة
ويمدّ بأسباب الحياة من كلّ صوب
ويطلقك حرّا طليقا من كل قيد
حتى من الثياب
أن يتشبّه بالحجر الأصم .. والبارد ..
المفعم بالأنّات وخيالات الموت ..
ولكني لا زلت أحتفظ بعرفان لذاك المكان
وسأظل مدينا له طوال عمري ...
أنّه كان سببا مباشرا في زيادة تعلّقي بها
وتمسّكي أكثر بمستقبلنا معا ...
ربما وبعد أن همت تماما بها ...
أدركت معانيها ..
وتشرّبت كلّ وجوهها ..
وحفظت كلّ حركاتها وسكناتها ....
وتعمّقت في أناتها ... وأدركت أكثر ...
أنّها من الممكن أن تكون في غرفة مظلمة مجاورة ..
عاتمة ... باردة .. ولكنّها بلا أبواب ..
وأن البحث عنها خارجا ضرب من العبث قبل تحطّم الجدران ...
وأنّ من يتبجحون بها خارجا ليست هي ...
إنّما هو مجرّد تشابه أسماء ..
......................................