فاجأه الموت قبل أن يزور بيته بأيام .. بيت محمد الماغوط، هل سيتحول الى متحف حقاً؟
المكان: منزل محمد الماغوط في سلمية
الزمان: 3/6/2007
كان باب المنزل مفتوحا وهو الذي «أحب الابواب والنوافذ المغلقة».. شجرة المشمش الهندي تلاصق بركة الماء.. والجدار الجنوبي للمنزل، زينه الفنان عهد الماغوط بزخرفة قريبة من اصلها الموجود في ذاكرة الماغوط الأولى.. حديقة ملاصقة للجدار الشرقي والجنوبي، وأوراق خضراء تعربش على الجدار.. «طبعا ديكور المنزل من شغل عهد الماغوط» قالت شقيقته مريم: مساحة هذا المنزل هي ما تبقى من مساحة البيت الأصلية.. ويكمل الشرح شقيقه اسماعيل موضحا شكل المنزل كما كان في الثلاثينيات من القرن الماضي، اشجار الرمان... كانت تحيط بالجدران الخارجية وفي هذا المكان تماما كانت غرفة ترابية.. هنا ولد محمد الماغوط..
ابنة اخته سناء استعادت قصة عشقه الأول لابنة الجيران التي كانت تسكن في الحي ذاته «وهي بصدد تجميع بعض مذكراته»، أخذني البيت نحو ذكريات الماغوط الأولى.. لقد شكل منزله هذا كما تخيله، أوكما ذاكرته الأولى ارادت...وطبعا كان ينوي زيارته في السابع عشر من نيسان 2006 برفقة ابن اخته الطبيب محمد بدور وحاول تقديم الموعد الى السادس من الشهر ذاته.. لكن الموت غافله في الثالث منه.. وذهبت الذكريات مع صاحبها..
وحين سئل مرة عن أول صورة يتذكرها في طفولته في سلمية أجاب: «ربما كان عمري خمس سنوات، وأنا اتشبث بحضن أمي، أتذكر صورة سماء شاحبة وسحب ورمال، وحين كنت في السابعة من عمري، اطلقتني أمي لأول مرة خارج باحة البيت لأرعى الخراف فيما تبقى من المروج النامية بين المخافر، وعند الأصيل عادت الخراف، ولكن الراعي لم يعد».
وتخيلت ان الزمن قد ساعد الماغوط على زيارة منزله هذا الذي شاهده عبر الصور فقط، ترى هل كان سيتمكن من النوم ساعة واحدة دون ان يلعن الساعة التي قرر فيها زيارة مدينته؟ الضجيج سيلاحقه من لحظة دخوله المدينة الى لحظة خروجه منها، ضجيج سببه الوحيد هو الدراجات النارية التي تحتل كامل مساحة الحياة في هذه المدينة المنذورة لكل اشكال التعب والشقاء، وطبعا (السلطات المتعاقبة على هذه المدينة والتي فكرت جديا في تقطيعها كالحية هي وكهولها وشبابها ومقابرها ووضعها داخل كيس ثم قذفها الى الجحيم» السلطات المحلية عجزت الآن عن ردع مئات من المراهقين الذين يمتطون صهوات دراجاتهم ليل نهار وحولوا هدوء هذه المدينة الافتراضي الى أرق دائم...
كانت ابنة الراحل «شام» قد صرحت عقب رحيل والدها انها تنوي تحويل منزله في سلمية الى متحف، ومضى أكثر من عام على هذا الكلام، وما زال المنزل مغلقا، يزوره أحيانا الأهل وبعض الاصدقاء.. بالتأكيد المجتمع الأهلي وجمعية العاديات وجمعية اصدقاء سلمية ومعهم وزيرة الثقافة ود.رياض نعسان آغا متحمسون لهذه الفكرة.. وتطبيقها يحتاج فقط الى قرار من الأسرة وأقصد ابنتيه «شام وسلاف» لأن ملكية المنزل عائدة لهما فقط...
في يوم الاثنين 4/6/2007 وبرفقة اخته مريم وابنتها سناء وصهرها حسن قمنا بزيارة قبر محمد الماغوط.. فعادت الذاكرة الى ما قاله مرة: «أحب حفيف الاشجار وشدو البلابل وتغريد العصافير، ولكنني أحب ابواق الاسعاف أكثر...»
وفي مقطع آخر يقول: «أحب الشمس والقمر والنجوم، ولكني أحب الظلام أكثر»..
كان المكان كئيبا وحزينا ويبدو أن الخوف الذي لازم الراحل طيلة حياته قد استمرمعه بعد رحيله، لاسيما ان الكثير من اللصوص الذين هجاهم الماغوط في حياته قد آثروا الاقتراب منه في مماته فدفنوا بالقرب من قبره..
طبعا ما زالت اصوات الذين حاولوا تنظيف ذواتهم عبر تأبينه في الذاكرة.. في ذلك النهار، كانت المدينة كلها تبكي ذلك البدوي الذي تركها في عزّ شبابها وعاد اليها محملا بكل مخاوفه ورعبه واكتئابه..
لا أعرف لماذا شعرت ان الماغوط يكتب من جديد «إنني وحيد.... أريد جليساً»..