مجتمع...
ساروا مع بعضهم ذات صباح، جميعهم متشابهين،
بعضهم يعرف الحياة أكثر، و الأخرون لم يجربوها،
تاهوا في منعرجات الأرض، كان الذين عرفوا الحياة
ينهضون بسرعة ليتابعوا بقوة، مشوا طويلا، لكن وقت
الظهر دخلوا الغابة، يضحكون... يتحادثون.... قلة
منهم كانوا صامتين، وعند المساء خرج بعض الأشخاصٍ
سالمين يسخرون.. فقد كانوا يعرفون أماكن الحفر،
الممرات، والأفخاخ، التي نصبت بين الأغصان المتشابكة....
شطرنج....
اتخذت أحجار الشطرنج، فوق الرقعة، أماكنها تقدم الفيل
الأبيض ضرب الأسود بعنف، حزن، نقم، سعى بقوة لتقدم
شكوى ضد الأبيض، في الأمم المتحدة، لكن القاضي رفض
الشكوى بحجة محاولة تغيير شروط اللعبة.
مشغول....
ضربه على خده فسال الدم من أنفه، لأنه لم يحاول منع الضربه
فقد كانت يداه مشغولتين بالبحث عن الحطب.
الى منى
امرأة الصباحات , و القهوة المستلقية هناك في ذاكرتي
تهرب أحيانا لتكون رواية , أو لوحة, فتجعل في ليلي
أرقاً يمسح النوم عن جفوني. إنها امرأة صاخبة تحب
العبث و الرحيل في شعاب خواطري , لا أدري أين رأيتها
أول مرة لكن ذاكرتي ترسم صوراً كثيرة .. مطر خفيف
... معرض .. أزهار .. نهر بردى .. و مقاهي دمشق,
خطوط عشوائية لا تلتقي إلا بك و لا تفترق إلا بك.
منى اسمك يلح عليّ أن أكتب و هذه المرة لن أرمي
أوراقي سأجمعها في باقات صغيرة , واقف عند
بابك منتظرا أن تكملي أنت السطور الأخيرة .
صديقي
في ذلك اليوم رمى صديقي في نفسي, من حصى التوجع
ما يعكر بحرا حين أخبرني أنه مصاب بالسرطان.
وهم
نظرت نحوه بحب, حركت شفتيها, خيل إليه أنها تقول أحبك,
ثم أغمضت عينيها, وابتسمت بحنان.. تمنى لو يتوقف الزمن,
لكنها عبرت الشارع مبتعدة , بقي من مكانه يراقبها,
و أحلامه ترسم أطيافا و دوائر مبهمه.
مكالمة
لم تكن المكالمة إلا بضع دقائق, تصورها نهرا جارفا أو
إعصارا عصف بقلبه فبدأ يخفق بسرعة حتى شعر أن
أضلاعه سوف تتحطم عندما سمع صوتها .. فاختنقت
كلمات الحب و الغزل في صدره ولم تخرج كما خطط لها ....
قالت مرة أخرى ألو.. استجمع نفسه وسألها عن أخيها..
لم يكن بالبيت ...فأقفل الخط... وجلس على كرسي الخيزان ...
ألصق صدغه على الحائط.... حزن عميق دوى في أعماقه....
أنب نفسه, ووصفها بالجبانة و المتخاذلة.... يوم كامل من
التفكير ولم تخرج إلا بالسؤال عن أخيها . ثم نهض و رمى
جسده على السرير كما يرمي الأشياء عندما يفرغ منها,
سكن كجثة, لكن بقيت عيناه تتابعان صورا عجيبة ترسمها
الستارة على الحائط المقابل, تتراقص فتخلق عالما هفهافا
ما يلبث أن يزول دون أثر ...
عالم يتعفن
عالم يتعفن ... تحكمه يد الفوضى , عالم نزق يتقوقع في
الخنادق ويشهر البندقية في وجه الحياة, الإنسانية صارت
مرعبة وجهها من طين و أصابعها متوحشة, صيحاتها مخيفة
تحمل الموت و الدمار لبيوت حارتنا الصغيرة. لا شيء يتحرك .
الكل ينظر بعيون صامته, وينتظر الفوضى لتنظم الأشياء من
جديد أو تبعثرها, فالحقيقة لم تعد ضرورية إنها تفرض , تفصل
و تلبس باردة. باطل كل شيء باطل الإنسان وكل ما يدب
على الأرض, سأصعد الجبل لأعيد صياغة العالم. صحت
ضحك صديقي وقال : الشعراء لا يصنعون العالم, فلعبة التاريخ
تدار من القمة أما نحن فأحجار شطرنج.
[center]