تتمة سيرة الإمام الحاكم بأمر الله:ويقول الدكتور عبد اللطيف الصوفي في - لمحات من تاريخ الكتب والمكتبات ص 206 :
دخل أحد السياح دار الحكمة في أوج ازدهارها فشاهد فيها قطعا من الحرير غريب الصنعة فيها صورة أقاليم الأرض وجبالها وبحارها ومدنها وأنهارها وطرقها وجميع ألاماكن المقدسة ومكتوب على كل مدينة وجبل وبلد ونهر وبحر وطريق اسمه أو اسمها بالذهب . !!
ولولا خوف الإطالة لأتينا بأدلة وشواهد لا حصر لها !!
ثم نأتي إلى هذا التدليس الواضح في مقولة الذهبي الثانية ونقف عند قوله :
" ثم تزهد وتأله ؟
نقول أن هذا القول لا يمكن إن يتفق لانه من المعروف أن من يدعى الألوهية يتجبر ويطغى ويظلم الناس ويرهبهم لكي يجبرهم على طاعته وقبول ما يأمرهم به - لا أن يتزهد ويلبس الصوف ويركب الحمار ويقيم الحسبة بنفسه كما يقول هذا المسمى بالذهبي !!
أما عندما يقول الذهبي : ( وكان المسلمون والذمَّة في ويل وبلاء شديد معه )
نقول : هذه المرة سنعطي الفرصة لأحد الكتاب المسيحيين وهو الانطاكي ليرد على كلام الذهبي دام أنه ذكر أهل الذمة وهذا ما يقوله الانطاكي :
( أظهر الحاكم من العدل ما لم يسمع به وكان له جود عظيم وعطايا جزيلة وصلات واسعة وكان نصيرا للعلوم والآداب يغدق المنح على الأساتذة ودور العلم ويوزع أمواله الخاصة على المساجد والفقراء ) . أنظر تاريخ الانطاكي ( ص 206 – 207 ) !!
فهل يعقل أن يقول مثل هذا القول أحد الكتاب المسيحيين لو كان في كلام الذهبي ذرة من حقيقة ؟
ولكي لا يتشعب الحديث ويطول نكتفي بما كشفناه من ترهات هولاء المؤرخين وتخبطاتهم علما أننا لم نستشهد ضدهم بأي دليل من أدلتنا حتى الآن !
نبذة مختصرة عن مولد الامام الحاكم بأمر الله عليه السلام ونشأته :
هو الامام الحسن أبو علي المنصور الحاكم بأمر الله بن أمير المؤمنين الامام نزار العزيز بالله صلوات الله عليهما وعلى ابائهما والخلاصة من ابنائهما وسلم . كان مولد الامام الحسن يوم الخميس الثالث وقيل الرابع من شهر ربيع الأول سنة خمس وسبعين وثلاثمائة ونشأ على الفضل والطهارة والنبالة وأتاه الله الحكم صبيا وبلغ في صباه مكانا عليا وارتقى إلى ذروة الفضائل وغاية الشرف الكامل فنصبه أبوه الامام العزيز بالله أمير المؤمنين في ولاية العهد في شهر شعبان من سنة ثلاث وثمانين وثلاثمائة ولما أنتقل الامام العزيز بالله عليه السلام إلى جوار ربه بويع الامام الحاكم بأمر الله أمير للمؤمنين في سلخ شهر رمضان من سنة ست وثمانين وهو يومئذ لإحدى عشر عاما .
من فضائله : كان إماما عظيما جوادا كريما مخوفا مهيبا دانيا من الناس قريبا يسمع الشكايا وينصف في القضايا لا تأخذه في الله لومة لائم ولا يغضي عن الذنوب والجرائم ولا يؤخر إنصاف المظلوم من الظالم وكان يطوف الأسواق ليلًا ونهارًا ويستمع إلى شكاوى الناس ويقضي حاجاتهم بالعدل والمساواة وكان يكثر من التفرد بنفسه والخروج إلى الفيافي والقفار ويقيم بها اليوم واليومين وأكثر من ذلك ويكمن له الأعداء مرارا في الطرقات فإذا اشرف عليهم تحيروا في أمره واسقط ما في أيديهم . وقد ظهر له الكثير الفضائل والمعجزات التي بهرت الألباب وحيرت العقول .
من دلائل جوده وكرمه : أشتهر الامام الحاكم بأمر الله بالسخاء وبكثرة الصلات والعطايا ولم يكن يرد سائلا حتى كثر طلاب الدنيا وحطامها وتوافد الناس على القاهرة من كل مكان من أجل تلك العطايا وبعضهم من أجل طلب العلم فرفع الناظر بالديار المصرية إليه كتابا يخبره بكثرة الناس الذين يتوافدون وأن ذلك يستغرق صرف الأموال الطائلة .
فرد عليه الامام الحاكم بأمر الله قائلا :
الغربة مذلة الأعناق والفاقة مرة المذاق والمادة من الله الرزاق فأجرهم على عوائدهم في الإنفاق ما عندكم ينفد وما عند الله باق . ! أنظر السبع السادس من عيون الاخبار
من وصايا ونصائح الامام الحاكم بأمر الله لبعض دعاته : من وصيته سلام الله عليه لداعيه حميد الدين أحمد بن عبدالله نضر الله وجهه حين أنفذه للدعوة بجزيرة العراق :
أتبع أمرنا في عبادة الله وتوخ رضانا في العمل بأوامر الله وأحيي سنة جدنا رسول الله صلى الله عليه وعلى اله في الدعوة إلى توحيد الله فلن تزداد لذلك من الله ومنا إلا قربا وأحذر المخالفة فالمخالف لأمرنا لا يزداد من الله إلا بعدا وقم بمفترضات الطاعات من إقامة الصلوات والمحافظة على الأعمال الصالحات والوفاء بأداء الأمانات قياما يختم لك بالحسنى ويورثك مقر الزلفى وأندب كافة المؤمنين إلى التمسك بوثائق الديانة والوفاء بشروط العهد والأمانة التي هي عليهم موجوبة وفي صحائف أعمالهم مكتوبة واعلم إن شفاعتنا لن تلحق إلا من كان عاملا بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وعلى اله .. !!
( أنظر دامغ الباطل وحتف المناظل ) ( المجلد الأول ص 73 )
من سجل طويل كتبه الامام الحاكم بامر الله عليه السلام إلى هارون بن محمد الداعي باليمن رحمة الله عليه ورضوانه نقتبس منه هذه الأسطر الموجزة :
عليك إن تسلك بالمستجيبين الواجب وتتجنب بهم كل طريق مجانب لكتاب الله وسنة رسوله جدنا محمد والمأخوذ عن آبائنا المهديين صلوات الله على النبي وعلى وصيه وعليهم أجمعين والمسموع من أفواه المحققين لا ألمأخوذ عن السن المتخرصين وليكن فتواك للمستفيدين في الحلال والحرام من كتاب دعائم الإسلام دون سواه من الكتب المفتعلة . !
(أنظر السبع السادس )
قال تعالى ( انظر كيف يفترون على الله الكذب وكفى به إثماً مبيناً )
بعض الأحداث في عهد الامام الحاكم بأمر الله والخلط التاريخي : الجميع يعلم إن هناك طوائف كثيرة حملت أسم الاسماعيلية كحال الكثير من الفرق الإسلامية التي انقسمت وتشعبت ولكن بعض المؤرخين والكتاب وخاصة أهل الأهواء يتعمدون الخلط والتدليس ولا يفرقون بين عقائد واتجاهات ومواقف الطوائف مع أن بعضها ربما أصبح يسير في اتجاه مغاير للأخرى وبعضها أصبح لها مسمى ولقب يختلف تماما وبعضها الأخر لم يعد يربط بينها سوى الاسم .
ما دعاني إلى هذا القول هو ذلك التعميم المتعمد من قبل بعض المؤرخين الذين نقلوا بعض الأحداث التي وقعت في عهد الامام الحاكم بأمر الله ولم يفرقوا بين مواقف الامام وأتباعه وبين ما قام به أولئك الغلاة الذين مرقوا وأصبحوا في نظر الامام الحاكم بأمر الله ونظر دعاته وأتباعه خارجين ومنحرفين عن الطريق المستقيم ولم يعد يربط بيننا وبينهم نحن الإسماعيلية الطيبية السليمانية أي علاقة !
وقد تطرق الداعي والمؤرخ الإسماعيلي الكبير عماد الدين القرشي في كتاب السبع السادس لما حصل من تلك الفئة التي غالت في الامام الحاكم بأمر الله ومن ضمن ما أورده قوله :
فغالى فيه كثيرا من الناس وادعوا له الإلهية كفعل الذين غلوا في أمير المؤمنين علي بن أبي طالب صلوات الله عليه فعظم ذلك عليه وعاقبهم بأنواع العقوبات وقتل منهم خلقا عظيما نعوذ بالله من الغلو في أئمة الحق والتقصير المؤدي إلى عذاب السعير .
أستدعاء الداعي أحمد حميد الدين الكرماني لقاهرة المعز :
لاشك أن وصول الداعي أحمد حميد الدين الكرماني ( قس ) إلى القاهرة سنة 408 للهجرة والذي أستدعي خصيصا للرد على الغلاة يؤكد بما لا يدع مجالا للشك موقف الامام الحاكم بأمر الله الواضح منهم ورفضه المطلق لمزاعمهم واعتقاداتهم الفاسدة ويثبت رغبته في عودة من بقي منهم إلى سبيل الحق وطريق الرشاد بعد أن عاقب وقتل الكثير منهم والواقع يصدق كل ذلك ويشهد له وما أختياره للداعي الكبير الكرماني المشهود له بغزارة العلم والمعرفة وبلاغة المنطق وقوة الحجة إلا دليل واضح على رغبتة سلام الله عليه في إقامة الحجة على أولئك الغلاة ودحض أقوالهم . وبالفعل قام الداعي الكرماني بإلقاء المحاضرات وكتابة البحوث والرسائل التي يرد فيها على المنشقين والغلاة !
وقد وصف الداعي عماد الدين القرشي ( قس ) تلك الأحداث العاصفة ووصول الداعي الكرماني الى القاهرة قائلا :
ووقع في أهل الدعوة والمملكة الاختباط وكثر الزيغ والاختلاط فجرد أمير المؤمنين السيف في الغالين والمقصرين واشتدت الظلمة على الشاكين ...... !!
إلى أن يقول : ووفد إلى الأبواب الزاكية الحاكمية باب الدعوة الذي عنده فصل الخطاب ولسانها الناطق بفصل الجواب والبراهين المضيئة والدلائل الواضحة الجليلة مبين سبل الهدى للمهتدين حجة العراقين أحمد بن عبدالله ابن حميد الكرماني قدس الله روحه ورضي عنه ولا حرمنا من نور بيانه والاقتباس منه مهاجرا عن أوطانه ومحله وواردا كورود الغيث إلى المرعى بعد محله ( فحل ببيانه ) تلك الظلمة المدلهمة وأبان بواضح علمه ونور هديه فضل الأئمة وكان ما وصفه في ترجمة رسالته التي سماها بمباسم البشارات وأقام فيها فضل الامام الحاكم بأمر الله واضح الدلالات .
وقد أوضح الداعي القرشي بعض أقوال الداعي الكرماني في رسالتة مباسم البشارات ونقتبس منها الأتي :
وشاهدت أولياء الدعوة الهادية بسط الله أنوارها – والناشئين في عصمة الإمامة وأولي ولائها قد حيرهم ما يطرأ عليهم من هذه الأحوال التي تشيب لها النواصي . وبهرهم ما تجدد لهم من الأسباب التي لا يهلك بها إلا أولو النفاق والمعاصي وهم يومئذ يموج بعضهم في بعض ويرمي كل واحد صاحبه بفسق ونقص وتتلاعب بهم الأفكار الردية وتتدوالهم الوساوس المردية ثم لا يعلمون ما أضلهم من الدخان المبين ولا ما الم بهم من الامتحان المستبين فصار البعض في الغلو مرتقين إلى ذراه والبعض في النكوص على أعقابهم ..........!الخ
وأضاف الداعي عماد الدين القرشي قائلا ( ص 305 ) :
وكان الفرغاني حسن الأجدع ممن قال وقت الحاكم بأمر الله عليه السلام بالغلو وخرج عن دعوة أولياء الله بالكبر والعتو وأمهل في أوان الحاكم بأمر الله أن يقطع بسيف نقمته عنقه ويجري عليه من الأحكام ما أجراه على أمثاله من أهل الزندقة وإملاء له وإمهال لتقوم الحجة عليه ويجري في العتو والظلال إلى ما جرى إليه وكان الداعي الأجل حميد الدين أحمد بن عبدالله الكرماني ( قس ) وهو حجة الامام الحاكم بأمر الله ووليه القائم بنشر العلم بين الأنام قد قدم إلى المارق الفرغاني المواعظ وأقام عليه حجة الحق فعل المحامي عن الدين المحافظ وكتب بالرسالة الواعظة أيام الامام الحاكم بأمر الله عليه السلام وكتبت هذه الرسالة سنة ثمان وأربعمائة في فسطاط مصر وهي تتضمن الوعظ والتذكير والتحذير بما هو عليه من الغلو والعتو وشر المصير وفيها أجوبة سؤال سأل عنه أراه فيه نهج الحق والصواب وأبان له الصدق فيما أصدره إليه من الجواب فقال في الرسالة الواعظة بعد حمد الله والثناء عليه والصلاة على نبيه محمد والطاهرين من اله سلام الله عليهم وصلاته أما بعد :
أوضح الله لك منار الهدى وعاد بك إلى الطريقة المثلى فقد وقفت على ما تضمنت مسائلك التي تنطق عنك بالكفر والارتداد وتشهد عليك بفساد الاعتقاد فكانت في اختلال مبانيها وفساد معانيها على حالة لا يصدر مثلها إلا عن تمييز مختل واعتقاد معتل فلم أرى الإجابة عنها والنص على ما يتضمنه من الكفر منها إلا بلين القول وحسن التلطف وسلوك طريق الوعظ والتعطف إذ كانت المواعظ للنفس العليلة دواء ....
إلى أن يقول :
وأما قولك وقول أصحابك أن المعبود هو أمير المؤمنين سلام الله عليه, فقول كفر تكاد السموات أن يتفطرن منه وتنشق الأرض , وتخر الجبال هدا , إن جعلوا للإله المعبود جل وتعالى غيرا , وندا فيا لجسارة على الله تعالى حين جعلوا له سبحانه شريكا ما أعظمها ولجرأة على الله حين جعلوا المعبود غيره تعالى ما أفظعها , لقد قالوا قولا عظيما , وافتروا إثما مبينا وان ذلك إلا كفر محض فما أمير المؤمنين إلا عبد لله خاضع , وله طائع , يسجد لوجهه الكريم , ويعظمه غاية التعظيم , وبإسمه يستفتح وعليه يتوكل وأمره إليه يفوض والله تعالى قد فضله على خلقه , وجعله من جهة رسوله محمد ( ص) خليفة له في أرضه , ووسيلة لعباده إلى جنته , وأوجب طاعته على عباده .وهو سلام الله عليه يتبرأ إلى الله تعالى ممن يعتقد ذلك فيه وكيف يكون معبودا وهو جسم ذو ابعاض مؤلفة ونفس ذات قوى مكلفة يأكل ويمشي وينام ويستيقظ وتطرى عليه الأحوال المتضادة من رضى وسخط وغم ومسرة وسقم وصحة كغيره من البشر وهو سلام الله عليه ينفي ما تنسبه أنت وأصحابك إليه عن نفسه كلا إن المعبود ليس إلا الله سبحانه الإله الذي يسجد له أمير المؤمنين سلام الله عليه ويوحده ويسبحه ... الخ !!
ونهاية الغلاة كانت على يد الامام الظاهر لإعزاز دين الله ابن الامام الحاكم بأمر الله حيث أمر بقتل الفرغاني وأعوانه :
يقول الداعي عماد الدين القرشي :
بعد أن ابلغ الداعي أحمد حميد الدين الكرماني في الاحتجاج ووعظ في الاستقامة على سواء المنهاج فلم يرتدع المارق الفرغاني عن غلوه وتمادى في بغيه وعتوه يظن ما كان من اعوجاجه هو المستقيم ويحسب اعتقاده صحيحا وهو العليل السقيم حتى كثر من اتبعه على كفره العظيم وضلاله المورد لأمثاله وأشكاله في عذاب الجحيم من الغلو في ألائمة فردع عن ذلك فما ارتدع واستتيب فما تاب ولا اقلع ومضت الأيام وهو على ذلك حتى قضى أمر الامام الحاكم بأمر الله عليه السلام وأفضى الله بأمره إلى ولده الامام الظاهر لإعزاز دين الله وما برح عليه السلام وفضلاء أوليائه يردعون الفرغاني عن اعتقاده الخبيث ويمعنون في سوقه وأشياعه إلى الهدى السوق الحثيث وهم في طغيانهم يزدادون ولقائدهم إلى الهدى لا ينقادون فحين كثر عتوهم وظهر غلوهم وازدادوا إمعانا في الفساد وضلوا وأضلوا عن سواء السبيل الرشاد أمر أمير المؤمنين الظاهر لإعزاز دين الله عليه السلام بقتل حسن الفرغاني الأجدع وأصحابه وصاروا بكفرهم ونكرهم إلى لعنة الله واليم عذابه .............. إلى أن يقول :
وأقام القاضي قاسم بن عبد العزيز بن النعمان رحمة الله عليه في القضاء والدعوة بباب الخلافة وأمره بإقامة الدعوة والهداية وقراءة مجالس الحكمة ونشر علوم التأويل لأهل الولاية وان يقيم من أوامر الدعوة العلوية الفاطمية ما أندرس ويمحو ما أثره فيها أولو البغي ويبين ما انطمس . وكتب سجلا بذلك إلى أنشاه إلى جميع أهل دعوته وأمر كل داع من دعاته إن يتلوه على كل المؤمنين في ناحيته وذكر فيه قتل الكفرة من أصحاب الأجدع بعد قتله وتتبعه في الأقطار وتلك سنة الله الجارية في مثله ......... الخ !! وقد ذكر السجل كاملا ومن أراد الإطلاع عليه فليرجع للسبع السادس ( ص 311 ) أنتهى !
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته