ذات مساء... و بقدر ما أتيح لها التسرب من بين تلك البيوت العتيقة المتلاصقة ..... لعبت خيوط شمس المغيب بخصلات قليلة من شعري....
و سار بي ذاك الطريق الضيق الطويل .... و صوت التحام حذائي وردي اللون مع الأرضية الحجرية يكسر صمت الكون حولي....
لم أعرف ذاك الحين .. كم مشيت... أو أين كانت وجهتي... أو متى انطلقت رحلتي أو انتهت... و لازلت لا أدري..
لكن الألم في أقدامي بدأ يذكرني بمسافة طويلة.... تجاهلته مراراً و عاد أقوى...
كم كرهته... أكره أن يقطع علي خلوتي ذاك الصوت الجهوري... الذي يشبه صوت أبي.... يذكرني بأشياء عليّ فعلها و لا أحبها... و أكثر الأحيان أكرهها..
بعد شهور... أو سنين.... لم أعد أذكر تماماً.... توقفت أمام باب خشبي....باب صغير... مخفي خلف بعض من الحجارة... تعلوه قطعة نحاسية صدأة ... نصف مثبتة.... كانت ذات يوم.... صديقة ليدي....
جلست أمام ذاك الصرح الشامخ في مخيلتي....
جلست على الأرضية الحجرية لطريقي..... و التي التحمت هذه المرة بجسدي... و انتهت الشقوق الرفيعة بين حجارتها بمسامات جلدي....
نظرت إليه طويلاً... و اعتلت شفتي ابتسامة حمراء قانية...
شعرت بشعري يهرب من قيده الحريري.... و يطير حولي... في دوائر متمركزة كثيرة....
وخزٌ جميلٌ تحت جلدي... بدأ يغذي داخلي لذة جد جميلة....ينتقل من مكان لمكان بإيقاع زوربوي ماطر...
انتفضت فجأة ....فقد أشعلت داخلي رغبة شديدة للاحتراق ....
أفرغت حقيبة يدي ... بحثاً عما يشعل داخلي و يخلصه من دخان احتراقه اللذيذ...
لكني وجدتها فارغة.....
إلا من عمر مضى .... و جثة حبيب..